فصل: خطبة في ذَمِّ الفِتن لأَحَدِ العُلماء رحمةُ الله عليه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في ذكر بعض الأحاديث التي وردت في الفتن وما يقع في آخر الزمان:

عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قاَلَ: إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكم أَن يَعْلَم أَصَابَتْهُ الفِتْنَة أَمْ لا؟ فَلْيَنْظُرْ فَإْنِ كَانَ رَأَى حَلالاً كَانَ يَرَاهُ حَرَامًا فَقَدْ أَصَابَتْهُ الفِتْنَةُ، وَإِنْ كَانَ يَرَى حَرَامًا يَرَاهُ حَلالاً فَقَدْ أَصَابَتْهُ. رَوَاهُ الحَاكِمُ.
وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَزِعًا، مُحْمَرًا وَجْهُهُ، يَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا الله، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليوم مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوَجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَحَلَّقَ بأصْبُعِهِ الإِبْهَامَ وَالتِّي تَلِيهَا، قَالَتْ: فَقُلْتَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالبُخَارِيّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذيّ، وَابْنُ مَاجِة.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، يَبِيعُ قَوْمٌ دِينَهُم بِعَرضٍ مِنَ الدُّنْيَا». رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَبْدُ اللهِ بنِ عَمْرُو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ يُفَارِقُ فِيهَا الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ، تَطِيرُ الفِتْنَةُ فِي قُلُوبِ رِجَالٍ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، حَتَّى يُعَيَّرَ الرَّجُلُ فِيهَا بِصَلاتِهِ، كَمَا تُعَيَّرُ الزَّانِيَةُ بِزِنَاهَا». رَوَاهُ الطَّبَرَانِي.
قُلْتُ: وَهَذَا الحَدِيثُ فِيهِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلامِ نُبَوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِدْقِ رِسَالَتِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ وَقَعَ مَا ذُكِرَ فَفَارَقَ رِجَالٌ آبِاءهُم بِسَبِبِ فِتْنَةِ التلفزيون، وَبِسَبَبِ فِتْنَةِ الكُرَةِ، فَارَقَ رِجَالٌ آبَاءهمُ وَإِخْوانهُم وَزَوْجَاتِهِمْ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَعْصِمَنَا مِنْهَا، وَوَقَعَ فِي زَمَانِنَا أَيْضًا أُنَاسٌ يَتَهَكَمُونَ وَيَسْخَرُونَ بِالمُصَلِّينَ، وَمَنْ عَلَيْهَا سِيِّمَا الصَّالِحِينَ مِنْ إِعْفَاءِ لِحْيَةٍ، وَاقْتِنَاءِ كُتُبِ السَّلَفِ، وَكَثرةِ تَلاوَةٍ لِكَلامِ اللهِ، وَالبُخَارِيّ وَمُسْلِم، وَيَرْمُونَهُم بِأَنَّهُم رَجْعِيُّونَ وَمُتَأَخِّرُونَ وَمُنْحَطُّونَ، وَضِدَّهُمْ مِمَّنْ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةِ، حَالِقي اللِّحَى، شُرَّابِ الدُّخَانِ، أَهْلِ الخَنَافِسِ وَالتَّوَالِيتَ، يُسَمُّونَهُم المُتَمَدِّنِينَ المُثَقَّفِينَ، وَهَذَا انْعِكَاسٌ نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ وَالثَّبَاتَ عَلَى الإِسْلام: {وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}، {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ}.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أَعْرَابِيٌّ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ فِي غَنَمٍ لَهُ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، فَأَدْرَكَهُ الأَعْرَابِيُّ فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ وَهَجْهَجَهُ فَعَانَدَهُ الذِّئْبُ يَمْشِي، ثُمَّ أَقْعَى مُسْتَثْفِرًا بِذَنَبِهِ يُخَاطِبُهُ، فَقَالَ: أَخَذْتَ رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ، قَالَ: وَاعَجَبًا مِنْ ذِئْبٍ مُقْعٍ مُسْتَثْفِرٍ بِذَنَبِهِ يُخَاطِبُنِي، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَتْرُكُ أَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَمَا أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّخْلَتَيْنِ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ، يُحَدِّثُ النَّاسَ عَنْ نَبَإِ مَا قَدْ سَبَقَ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: فَنَعَقَ الأَعْرَابِيُّ بِغَنَمِهِ، حَتَّى أَلْجَأَهَا إِلَى بَعْضِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيْنَ الأَعْرَابِيُّ صَاحِبُ الْغَنَمِ» فَقَامَ الأَعْرَابِيُّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَدِّثْ النَّاسَ بِمَا سَمِعْتَ، وَبمَا رَأَيْتَ» فَحَدَّثَ الأَعْرَابِيُّ النَّاسَ بِمَا رَأَى مِنْ الذِّئْبِ، ومَا سَمِعَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «صَدَقَ آيَاتٌ تَكُونُ قَبْلَ السَّاعَةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ أَحَدُكُمْ مِنْ أَهْلِهِ فَتُخْبِرَهُ نَعْلُهُ أَوْ سَبوطُهُ أَوْ عَصَاهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ».
رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَعَنْ سَهْل بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لا يُدْرِكْنِي زَمَانٌ أَوْ لا تُدْرِكُوا زَمَانًا لا يُتْبَعُ فِيهِ العَلِِيم، وَلا يُسْتَحْيَ فِيهِ مِنَ الحَلِيمِ، قُلُوبُهُم قُلُوبُ الأَعَاجِمِ، وَأَلْسِنَتُهُمْ أَلْسِنَةُ العَرَبِ». رَوَاهُ أَحْمَدَ.
وَعَنْ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادٌ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلا مَا أُشْرِبَهُ مِنْ هَوَاهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ.
وعن عبدِ اللهِ بن عَمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا قُعُودًا عَنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرَهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الأَحْلاسِ قَالَ: «هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ»، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ: «دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمِيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسِ مِنِّي، وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي المُتَّقُونَ، ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرْكٍ عَلَى ضَلْعٍ»، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاء: «لا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلا لَطِمَتْهُ لَطْمَةً، فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، حَتَّى يَصِيرُ النَّاسُ عَلَى فِسْطَاطَيْنِ، فَسْطَاطِ إِيمَانٍ لا نِفَاقَ فِيهِ، وَفِسْطَاطَ نِفَاقَ لا إِيمَانَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ غَدِهِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالحَاكِمُ.
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، وَتَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَة عَظِيمَةٌ، وَدَعْوَاهُمَا وَاِحدَةٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَنْقُلُ لَبِنَ الْمَسْجِدِ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الْغُبَارَ وَقَالَ: «وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ». رَوَاهُ البُخَارِيّ.
وعن حَبَّةَ العُرَنِي قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ أَبِي مسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ عَلَى حُذَيْفَةَ بنِ اليمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَسْأَلُهُ عَنِ الفِتَنِ فَقَالَ: دُورُوا مَعَ كِتَابَ اللهِ حَيْثُ ما دَارَ، وَانْظُرُوا الفِئَة التِي فِيهَا ابْنُ سُمَيَّةِ فَاتبعُوهَا، فَإِنَّهُ يَدُورُ مَعَ كِتَابَ اللهِ حَيْثُ مَا دَارَ، قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: وَمَنْ ابْنُ سُمَيَّة؟ قَالَ: عَمَّارُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، تَشْرَبُ شَرْبَةَ ضِيَاحٍ تَكنْ آخِرَ رِزْقَكَ مِنَ الدُّنْيَا». رَوَاهُ الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ: صَحِيحٌ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فَابْنُ سُمَيَّةَ مَعَ الحَقِّ». رَوَاهُ الطَّبَرِانِي، وَالبَيْهَقِي.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرْ يَا عَمَّارُ، تَقْتُلَكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
قُلْتث: وَفِي هَذِهِ الأَحَادِيثُ عَلَمٌ مِنْ أَعْلامِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصِدْقِ رِسَالَتِهِ، وَمَزِيَّةً لَعَلِيّ وَلِعَمَّارٍ رضي الله عنهما وَهُوَ أَنَّهُمَا مَعَ الحَقَّ. وَعَنْ إِسْرَائِيلَ بنَ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنْ- يَعْنِي البَصْرِيّ- يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ واللهِ الحَسَنُ بنُ عَلِيّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: إِنِّي لأَرَى كَتَائِبَ لا تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة- وَكَانَ وَاللهِ خَيْرَ الرَّجَلُيْنِ: أَيْ عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلاءِ هَؤُلاءِ، وَهَؤُلاءِ هَؤُلاءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ، مَنْ لِي بِنَسَائِهِم، مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ فَبَعَثَ إليه رَجُلَيْنِ مَنْ قُرَيْش مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سُمْرَة، وَعَبْدِ اللهِ بن عَامِر بنِ كُريز، فقالَ: اذْهَبَا إَلَى هَذَا الرَّجُل فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولا لَهُ، وَاطْلُبَا إليه، فَأَتَيَاهُ فَدَخَلا عَلَيْهَ فَتَكَلَّمَا وَقَالا لَهُ، وَطَلَبَا إليه، فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بنُ عَلِيّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّة قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا، قَالا: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبَ إليك وَيَسْأَلُكَ، قَالَ: فَمَنْ لَي بِهَذَا؟ قَالا: نَحْنُ لَكَ بِهَ، فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلا قَالا: نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَصَالَحَهُ، فَقَالَ الحَسَنُ- أَيْ البَصْرِيّ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ وَالحَسَنُ بنُ عَلِيّ رضي الله عنهما إِلَى جَنْبِهَ، وَهُوِ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بِيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ المُسْلِمِينَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالبُخَارِيّ. وَفِي هَذَا الخَبَرِ أَيْضًا مُعْجزَةٌ حَيْثُ وَقَعَ مِصْدَاقُهُ بِمَا كَانَ مِنْ إِصْلاحِ الحَسَنِ بَيْنَ أَهْلِ العِرَاقِ وَأَهْلِ الشَّامِ.
نَهَارُكَ فِي بَحْرِ السَّفَاهَةِ تَسْبَحُ ** وَلَيْلُكَ عَن ْنَوْمِ الرَّفَاهَةِ يُصْبِحُ

وَفِي لَفْظِكَ الدَّعْوَى وَلَيْسَ إِزَاؤُهَا ** مِنَ العَمَلِ الزَّاكِي دَلِيلٌ مُصَحَّحُ

إِذَا لَمْ تُوَافِقْ قَوْلةً مِنْكَ فِعْلَةٌ ** فَفِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ حَدِيثِكَ تَفْضَحُ

تَنَحَّ عَنِ الغَايَاتِ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا ** طَرِيقُ الهُوِينَا فِي سُلُوكِكَ أَوْضَحُ

إِذَا كُنْتَ فِي سِنِّ النَّهْي غَيْرَ صَالِحٍ ** فَفِي أَيّ سِنِّ بَعْدَ ذَلِكَ تَصْلَحُ

اللَّهُمَّ افْتَحْ لِدُعَائِنَا بَابَ القَبُولِ وَالإِجَابَة، وَارْزُقْنَا صِدْقَ التَّوْبَةِ وَحُسْنَ الإِنَابَةِ، وَيَسِّرْنَا لِلْيُسْرَى وَجَنِّبْنَا العُسْرَى، وَآتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.خطبة في ذَمِّ الفِتن لأَحَدِ العُلماء رحمةُ الله عليه:

الحمد الله الذي ألبس من شاء من عباده ملابس الهداية والتوفيق وألزمهم كلمة التقوى فصارت الطاعة لهم خير أنيس ورفيق. وألهمهم شغل أوقاتهم بالخير فصرفوا كل وقت لما هو به خليق. أحمده سبحانه وتعالى حمدًا تفرج به الكروب ويتسع به المضيق، وأشكره شكر عبد إذا سمع المواعظ يفيق.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد لاذ بجنابه فنجاه من كل كرب وضيق، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله أفضل الخلق ذا النسب العريق اللَّهُمَّ صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه خير عشيرة ورفيق.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن الفتنة نار شديد حزامها جائرة أحكامها، مسمومة سهامها، ممقوتة أيامها، داعية إلى الشرك أعلامها، تغير النعم وتعجل النقم وتقطع التواصل وَتُصَيِّرُ أَهْلَهَا إِلَى التَّبَاغُضِ وَالتدابرَ أو التَّخَاذُلِ يُطْلِعُ الشَّيْطَانُ فِيهَا رأسه، وَيَبَثُّ بها في القلوب وسْوَاسَه فَيَجْعَلُ الآراءَ حَائِرَةْ وَالأحكامَ جَائِرَة وَالأهواءَ مُخْتلفةْ وَالأحقادَ مُكْتَنِفَةْ وَجَمَرَاتِ الفُؤَادِ مُوَقَّدَةْ وَطُرُقَاتِ الرَّشَاِد مُؤْصَدَةُ حتى يكون القريب بعيدًا وذُو الأهل والعشيرة وحيدًا.
وهل هي إلا نار وقودها الغضب ومذكيها الهوى وطاعة الشيطان والصخب وقادحها الجهل واللعب ومؤججها العناد والكذب وموقدها الأديان والأنفس والأموال ومآل أهلها أشر مآل تصير الديار بلا وقع وتعجز خروقها الراقع موقظها ملعون وقاتلها ومقتولها إلى النار والهون تطمع العدو في أهلها وتقطع المودة من أصلها تقطع سبل الولد والمال وتصير أهلها إلى سوء حال ليلهم سهر ونهارهم كدر.
فالله عباد الله أن يوري الشيطان بينكم زنادها أو يورد قلوبكم أقبح ميرادها فيظفر منكم بخبث السرائر ويطحنكم بدواهي الجوائر، ثم تبوءوا في الدنيا بعارها وشارها وفي الآخرة بخسارتها ونارها، ولا تلتذوا في العاجلة بشرب عقارها فتندموا في الآخرة غب إخمارها واحذروا أن تَسْلُكُوا من الفتن سبلها وألزموا كلمة التقوى.
وكونوا أحق بها وأهلها وذروا نخوة الحمية ودعوة الجاهلية فقد جعلكم الله بالإسلام إخوانًا وأمركم أن تكونوا على البر والتقوى أعوانًا ولا تكونوا كالذين أرجأوا العمل بسوف وحتى بأسهم بَيْنَهُمْ شديد تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى فقد سمعتم ما وصف الله به نبيه المختار وأصحابه الخيرة الأبرار حين ضرب لهم في كتابه مثلاً وأمركم باتباعه قولاً وعملاً فقال جل جلاله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}. إلخ الآية.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن من الناس أناسًا مفاتيح للخير مغاليق للشر، ومن الناس أناسًا مغاليق للخير مفاتيح للشر، فطوبى لمن جعله الله مفتاحًا للخير وويل لمن كان مغلاقًا للخير مفتاحًا للشر». وقال صلى الله عليه وسلم: «الفتنة راقدة لعن الله موقظها»، وقال صلى الله عليه وسلم:
«إذا التقى المسلمون بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار»، قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه».
وقال صلى الله عليه وسلم: «يأتي المقتول يوم القيامة تشخب أوداجه دمًا متعلقًا بالقاتل يقول: يا رب سل عبدك هذا فيم قتلني».
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى الأشعري: «يكون في آخر الزمن فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا وَيُمْسِي كافرًا، وَيُمْسِي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا».
إن الفتنة أشد من القتل فهي داء ممزوج بالمرارة شاربها وسفينة غارقة في الهلاك راكبها ونار محرقة بلهيبها موقدها ما تحملها قوم إلا ندموا عليها ولا أضرم نارها أحد إلا وقع فيها وهل يضرمها إلا كل سفيه جاهل ولا يصطليها إلا كل حليم عاقل.
فتأكل بلهبها أموالهم وتسلم إلى المقابر أبطالهم يهرع إلى أهلها من كل دار شيطانها ويصبح لهم في كل رأس أجواؤها فحينئذٍ تكون الغلبة للشياطين وتكون الظلمة عليهم سلاطين فيؤمِّرون سفهاءهم فيضلون ويخالفون رأي عقالهم فيهلكون أو يَضْمَحِلًُّون.
جعلني الله وإياكم ممن أفاق لنفسه وفاق بالتحفظ أبناء جسنه وأعد عدة تصلح لرمسه واستدرك في يومه ما ضيعه في أمسه إن أحلى ما وعظ به الواعظون وتلذذ لخطابه المستمعون كلام من نحن لعفوه وكرمه مؤملون والله تعالى يقول وبقوله يهتدي المهتدون: {فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} الآيات بارك الله لي ولكم.
اللَّهُمَّ هَبْ لَنَا مَا وَهَبْتَهُ لأَوْلِيَائِكَ وَتَوَّفَنَا وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا وَقَدْ قَبِلْتَ اليسِيرَ مِنَّا وَاجْعَلْنَا يَا مَوْلانَا مِنْ عِبَادِكَ الذِينَ لا خَوْفٌ عَلَيهِمْ ولا هُمُ يَحْزَنُونَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
موعظة:
عِبَادَ اللهَ لَقْدَ أَصْبَحَ النَّاسُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا أَهَمُّ عِنْدَهُمْ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعُونَ، فِي لَيْلِهْمْ وَنَهَارِهم مَشْغُولِينَ شُغْلَ العَاشِقِينَ المُسْتَغْرِقِينَ كَأَنَّهُمْ مَا خُلِقُوا إِلا لَهَا، وَأَمَّا الدِّينُ فَلا يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِم وَإِنْ خَطَرَ فَطيفٌ يَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، أَثَّرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي هَذَا الإِنْهِمَاكِ العَظِيمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ بَلَغَ فِي تَهْوِينِ الدِّينِ عِنْدَهُمْ الغَايَةَ وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ تَرَى الشَّخْصَ يَرْتَدُّ عَنِ الدِّينِ فَلا يُسْأَلُ وَلا يُنَاقَشُ، وَلِذَلِكَ نْزِعَتْ البَرَكَةُ مِنْ أَعْمَارِنَا وَأَعْمَالِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَوْلادِنَا، وَأَصْبَحْنَا وَقَدْ ضَرَبَ الذُّلُّ عَلَيْنَا سُرَادِقَةُ وَنَحْنُ كَأَنَّا لَسْنَا مِنَ الأَحْيَاءِ، أَمَّا عَدَمُ البَرَكَةِ فِي أَعْمَارِنَا فَلأنَّ أَحَدُنَا يَمُرُّ عَلَيْهِ الشَّهْرُ وَالعَامُ لا تَرَى لِحَيَاتِهِ مِنْ َأثرَ فِي الإِصْلاحِ وَتَوْجِيهِ المُنْحَرِفِينَ، وَالقِيَامِ التَّامِ المُثْمِر بِالأَمْرِ بِالمَعْرُوفَ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ وَالسَّعْيِ فِي إِزَالَةِ مَا يَمَسُّ الدِّينَ مِمَّا حَلَّ فِي بِلادِ المُسْلِمِينَ مِنْ المُنْكَرَاتِ وَالمَفَاسِدِ وَالشُّرُورِ، وَلَوْ سَأَلْتَ أَحَدُنَا هَلْ لَكَ مِنْ حَيَاتِكَ أَثٌر نَافِعٌ لَتَلَجْلَجَ فِي الكَلامِ يَنْظُرُ وَرَاءَهُ فَلا يَرَى أَثَرًا، وَيَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّ الأَيَّامَ مَرَّتْ سُدَى تَتْلُوهَا الأَيَّامُ هَذَا مِنْ عَدَمْ البَرَكَةِ فِي أَعْمَارِنَا، وَأَمَّا عَدَمُ البَرَكَةِ فِي أَعْمَالِنَا فلأَنَّ أَحدُنَا مَا دَامَ مُسْتَيْقِظًا يَتَحَرَّكُ وَلا تَنْقَطِعُ أَقْواله وَلا أَفْعَاله وَلَكِنَّهَا تَدُور بَيْنَ حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، أَوْ عَبَثٍ لا يَلِيقُ أَنْ يَصْدُرَ مِنَ الرِّجَالِ، فَتَجِدُ الكَذِبَ وَالنَّمِيمَةَ وَالقَذْفَ وَالغِيبَةَ وَالتَّمَلُّقِ وَالنِّفَاقَ وَالرِّيَاءَ وَتَعْظِيمَ العُصَاةِ المُجَاهِرينَ بِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَأَمَّا عَدَمُ البَرَكَةِ فِي أَمْوَالِنَا فلأَنَّ أَحَدَنَا يَكُونُ عِنْدَهُ المَالُ الكَثِيرُ فَتَرَاهُ يُبَعْثِرَهُ فِي سَبِيلِ شَهَوَاتِهِ وَمَلَذَّاتِهِ الفَاجِرَةِ أَوْ يَكْنِزَهُ وَلا يُخْرِجُ مِنْهُ الزَّكَاةَ، وَإْنْ عَرَضْتَ عَلَيْهِ مَشْرُوعًا دِينِيًا فَرَّ مِنْكَ مَذْعُورًا فَأَيُّ بَرَكَةٍ تَكُونُ فِي مِثْلِ هَذَا المَالُ، وَأَمَّا عَدَمُ البَرَكَةِ فِي أَوْلادِنَا فلأَنَّهُمْ فِي صِغَرِهِمْ يَكُونُونَ شَيَاطِينَ يُتْعِبُونَ فِي التَّرْبِيَةِ آبَاءَهُم وَأُمَّهَاتِهِم، فَإِذَا شَبُّوا شُغِلُوا بِشَهَوَاتِهِمْ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهمْ لِلْوَالِدَيْنِ مِنْ صُنُوفِ البِرِّ وَأَكْثَرُهُمْ يَكُونُ طُولَ حَيَاتِهِ حَرْبًا عَلَى وَالِدَيْهِ يُرِيهُمَا أَنْواعَ الإِهَانَاتِ وَالأَذَايَا وَأَيُّ بَرَكة فِي أَوْلادٍ هَذَا حَالهُم مَعَ وَالدَيْهِم، وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ نَزْعَ البَرَكَةُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَنَا عَلَى إِقْبَالِنَا عَلَى الدُّنْيَا وَإِعْرَاضِنَا عَنِ الدِّينِ فَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ العَلِيّ العَظِيمِ.
زَمَانُ كُلُّ حِبّ فيه خَبُ ** وَطَعْمُ الخلّ خَلُ لَوْ يُذَاقُ

لَهُمْ سُوقٌ بَضَاعَتهُ النِّفَاقُ ** فَمَنْ نَاقَ يَكُونُ لَهُ نَفَاقُ

آخر:
خَمْسُونَ عَامًا تَوَلَّتْ فِي تَصَرُّفِهَا ** عُسْرٌ وَيُسْرٌ عَلَى الحَالين أَشْهَدُهُ

لَمْ أَبْكِ مَنْ زَمْنٍ صَعْبٍ فُجِعْتُ بِهِ ** إِلا بَكَيْتُ عَلَيْهِ حِينَ أَفْقِدُهُ

وَمَا جَزِعَتْ عَلَى مَيْتٍ فُجِعْتُ بِهِ ** إَلا ظَلَلْتُ لِسَتْرِ القَبْرِ أُحْسُدُهُ

وَمَا ذَمَمْتُ زَمَانًا فِي تَقَلُّبِهِ ** إِلا وَفِي زَمَنِي قَدْ صِرْتُ أَحْمَدُهُ

آخر:
أَحُنُّ إِلَى وَقْتٍ مَضَى بِغَضَارة ** إِذِ العَيْش رَطبٌ وَالزمانُ مُوَاتي

وَأَبْكِي زَمَانًا صَالِحًا قَدْ فَقدتُهُ ** يُقَطِّعُ قَلْبِي ذِكْرُهُ حَسَرِات

آخر:
هَذَا الزَّمَانُ الذِي كُنَّا نُحَاذِرُهُ ** فِي قَوْلِ كَعْبٍ وَفِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودِ

وَقْتٌ بِهِ الحَقُّ مَرْدُودٌ بِأَجْمَعِهِ ** وَالظُّلْمُ وَالبَغْيُ فِيهِ غَيْرُ مَرْدُودِ

إِنْ دَامَ هَذَا وَلَمْ يَحْصُلَ لَهُ غِيَرٌ ** لَمْ يُبْكَ مَيْتٌ وَلَمْ يُفْرَحْ بِمْولُود

زَعَمُوا لُبَيْدًا قَالَ فِي عَصْرٍ لَهُ ** وَبَقِيْتُ فِي خَلَفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ

وَأَرَاهُ أَعْدَى خَلْفُه مِنْ خَلْفِهِ ** جَرَبًا وَأَعْيَا الدَّاءُ كُلَّ مُجَرِّبِ

وَتَضَاعَفَ الْجَربُ الَّذِي عَدْوَاهُ لا ** تَنْفَكُّ عَنْ مَاضٍ وَلا مُتَعَقِّبِ

وَتَضَاعَفَ الدَّاءُ العُضَالُ فَخَلْفَنَا ** بَلَغَ الجُذَامَ وَعَصْرُنَا عَصْرٌ وَبِي

اللَّهُمَّ أَشْرِبْ مَحَبَّتِكَ فِي قُلُوبَنَا وَوَفَّقْهَا لِلتَّفَكُّرِ فِي عَظِيم نِعَمِكَ عَلَيْنَا لِتَقْوَى وَتَزْدَادَ وَارْزُقْنَا حُبَّ أَحْبَابكَ وَبُغْضَ أَعَدَائِكَ. اللَّهُمَّ وَثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ وَلا تُزْغْهَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وَسَلَّمَ.
فصل:
وَعَنْ مُحَمَّدٍ بنِ سَعِيدٍ- يَعْنِي ابْنُ رُمَّانَةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ قَالَ لِيَزِيد بنِ مُعَاوِيَةَ: قَدْ وَطَّأْتَ لَكَ البِلادَ، وَفَرشْتُ لَكَ النَّاسَ وَلَسْتُ أَخَافُ عَلَيْكُم إِلا أَهْلَ الحِجَازِ فَإِنْ رَابَكَ مِنْهُمْ رَيْبٌ فَوَجِّهْ إليهمْ مُسْلِمُ بنُ عُقْبَةَ المَرِّيّ، فَإِنِّي قَدْ جَرَّبتَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ أَجِدْ لَهُ مَثَلاً لِطَاعَتِهِ وَنَصِيحَتِهِ، فَلَمَّا جَاءَ يَزِيدُ خِلافُ ابْنِ الزُّبَيْر وَدُعَاؤهُ إِلَى نَفْسِهِ دَعَا مُسْلِمَ بنِ عُقْبَةَ المَرِّيّ- وَقَدْ أَصَابَهُ الفَالِجُ- وَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَهِدَ إليَّ فِي مَرَضِهِ: إِنْ رَابَنِي مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ رَائِبٌ أَنْ أُوَجِّهَكَ إليهمْ، وَقَدْ رَابِنِي فَقَالَ: إِنِّي كَمَا ظَنَّ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ اعْقِدْ لِي، وَعَبِّ الجُيُوشَ، قَال: فَوَرَدَ المَدِينَةَ فَأَبَاحَهَا ثَلاثًا، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى بَيْعَةِ يَزِيدَ، أَنَّهُمْ أَعْبَدٌ لَهُ قِنٌّ فِي طَاعَةِ اللهِ وَمَعْصِيَتِهِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ إِلا رَجُلاً وَاحِدًا مِنْ قُرَيْشٍ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ فَقَالَ لَهُ: بَايِعْ يَزِيدَ عَلَى أَنَّكَ عَبْدٌ فِي طَاعَةِ اللهِ وَمَعْصِيَتِهِ قَالَ: لا بَل فِي طَاعَةِ اللهِ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ مِنْهُ وَقَتَلَهُ، فَأَقْسَمَتْ أُمَّهُ قَسَمًا لَئِنْ أَمْكَنَهَا اللهُ مِنْ مُسْلِمٍ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَنْ تُحْرِقَهُ بِالنَّارِ، فَلَمَّا خَرَجَ مُسْلِمُ بنُ عُقْبَة مِنَ المَدِينَةِ اشْتَدَّتْ عِلَّتُهُ فَمَاتَ، فَخَرَجَتْ أُمَّ القُرَشِيّ بِأعْبُدٍ لَهَا إِلَى قَبْرِ مُسْلِم بن عُقْبَة، فَأَمَرَتْ أَنْ يُنْبَشَ مِنْ عِنْدَ رَأْسِهِ فَلَمَّا وَصَلُوا إليه إِذَا ثُعْبَانٌ قَدِ الْتَوَى عَلَى عُنُقِهِ قَابِضًا بِأَرْنَبَةِ أَنْفِهِ يَمُصُّهَا، قَالَ: فَكَاعَ القَوْمُ عَنْهُ. وَقَالُوا: يَا مَوْلاتِنَا انْصَرِفِي فَقَدْ كَفِاكِ اللهِ شَرُّهُ وَأَخْبَرُوهَا، قَالَتْ: لا أَوْ أَوْفِي للهِ بِمَا وَعَدْتُهُ، ثُمَّ قَالَتْ: انْبِشُوا مِنْ عِنْدَ الرِّجْلَيْنِ، فَنَبَشُوا فَإِذَا الثُّعْبَانُ لاوِيًا ذَنَبُه بِرَجْلَيْهِ، قَالَ: فَتَنَحَّتْ فَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ إِنَّمَا غَضِبْتُ عَلَى مُسْلِم بنِ عُقْبَةَ اليوم لَكَ فَخَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، ثُمَّ تَنَاوْلَتْ عُودًا فَمَضَتْ إِلَى ذَنَبِ الثُّعْبَانِ فَانْسَلَّ مِنْ مُؤَخِّرِ رَأْسِهِ فَخَرَجَ مِنَ القَبْرِ ثُمَّ أمرَتْ بِهِ فَأُخْرِجَ مِنَ القَبْرِ فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِي.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ فِي ثَقِيفَ كَذَّابًا وَمُبِيرًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيّ.
وَقَالَ النَّوَوِي: اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ المُرَادَ بِالكَذَّابِ هُنَا: المُخْتَارُ بنُ أبِي عُبَيْدٍ. وَبِالمُبِيرُ: الحَجَّاجُ بنُ يُوسُفَ.
وَعَنْ أَبِي نَوْفَلَ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما عَلَى عقَبةِ المَدِينَةِ، قَالَ: فَجَعَلَتْ قُرَيْش تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللهِ إِنْ كُنْتَ مَا عَلمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا، وَصُولاً لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللهِ لأُمَّةٌ أَنْتَ شَرُّهَا لأُمَّةُ خَيْرٍ، ثُمَّ نَفَذَ عَبْدُ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فَبَلَغ الحَجَّاجُ مَوْقِفُ عَبْدِ اللهِ وَقَوْلُهُ فَأَرْسَلَ إليه، فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ، فَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ اليهود، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولُ لَتَأتِيَنِّي أَوْلا لأَبْعَثَنَّ إليك مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ، قَالَ: فَأَبْتَ، وَقَالَتْ: وَاللهِ لا آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثُ إلى مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي، قَالَ: فَقَالَ: أَرُونِي سَبْتِي فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللهِ، قَالَتْ: رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ، وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ. أَنَا وَاللهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ. أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الدَّوَابِ، وَأَمَّا الآخِرُ فَنِطَاقُ المَرْأَةِ التِي لا تَسْتَغْنِي عَنْهُ أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا: «أَنَّ فِي ثَقِيفَ كَذَّابًا وَمُبِيرًا»، فَأَمَّا الكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا المُبِيرُ فَلا إِخَالُكَ إِلا إِيَّاهُ، قَالَ فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِي قَالَ: لَمَّا ظَفَرَ الحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَتَلَهُ وَمَثَّلَ بِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى أُمِّ عَبْدِ اللهِ وَهِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، فَقَالَتْ: كَيْفَ تَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ وَقَدْ قَتَلتَ ابْنِي؟ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَكِ أَلْحَدَ فِي حَرَمِ اللهِ، فَقَتَلْتُهُ مُلْحِدًا عَاصِيًا حَتَّى أَذَاقَهُ اللهُ عَذَابًا أليمًا، وَفَعَلَ بِهِ وَفَعَلَ، فَقَالَتْ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّ المُسْلِمِينَ، وَاللهِ لَقَدْ قَتَلْتَ صَوَّامًا قَوَّامًا بَرًّا بِوَالِدَيْهِ، حَافِظًا لِهَذَا الدِّينِ، وَلَئِنْ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ لَقْدَ أَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، وَلَقَدْ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابَانِ الآخِرُ مِنْهُمَا أَشَرُّ مِنَ الأَوّلِ، وَهُوَ المُبِيرُ»، وَمَا هُوَ إِلا أَنْتَ يَا حَجَّاجُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالحَاكِمُ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَقِيلََ: إِنَّ الحَجَّاجَ قَالَ لَهَا: صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَقْتِ أَنَا المُبِيرُ.
وَعَنِ الحَسَن قَالَ: قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لأَهْلِ الكُوفَةِ: اللَّهُمَّ كَمَا أئِتَمْنُتُهم فَخَانُونِي، وَنَصَحْتُ لَهُمْ فَغَشُّونِي، فَسَلِّطْ عَلَيْهِمْ فَتَى ثَقِيف الذَّيَّالِ المَيَّالُ يَأْكُلُ خُضْرَتَهَا، وَيَلْبِسُ فَرْوَتَهَا وَيَحْكُمَ فِيهِم بِحُكْمِ الجََاهِلَيَّةِ. قَالَ الحَسَنُ: وَمَا خَلَقَ اللهُ الحَجَّاجَ يَوْمَئِذٍ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَاقِ، وَالبَيْهَقِي فِي الدَّلائِلِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. قَالَ البَيْهَقِيّ: وَلا يَقُولُ عَلِي ذَلِكَ إلا تَوْفِيقًا.
وَعَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانَ قَالَ: أَحْصُوا مَا قَتِلِ الحَجَّاجُ صَبْرًا، فَبَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفِ قَتِيلٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ.
وَقَالَ الأَصْمَعِيّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم عَنْ عُبَادَةَ بنِ كَثِيرٍ عَنْ قَحْدَمٍ قَالَ: أَطْلَقَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِك فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ وَاحِدَا وَثَمَانِينَ أَلِفًا، مِنْهُم ثَلاثُونَ أَلْفَ امْرَأةٍ، وَعُرضَتْ السُّجُونُ بَعْدَ الحَجَّاج فَوَجَدُوا فِيهَا ثَلاثَةً وَثَلاثِينَ أَلْفًا لَمْ يَجبْ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم قَطْعٌ وَلا صَلْبٌ. وَقَالَ الرَّيَاشِي: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ الأَزْرَقُ عَنِ السَّرِيّ بنِ يَحْيَى قَالَ: مَرَّ الحَجَّاجُ فِي يَوْمِ جُمْعَةٍ فَسَمِعَ اسْتِغَاثَةً، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: أَهْلُ السُّجُونَ يَقُولُونَ: قَتَلَنَا الحَرُّ، فَقَالَ: قُولُوا لَهُمْ: {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} قَالَ: فَمَا عَاشَ بَعْدَهَا إِلا أَقَلَّ مِنْ جُمْعَةٍ حتَىَّ قَصَمَهُ اللهُ قَاِصُم كُلِّ جَبَّارٍ.
وَعَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: لَوْ أَنَّ الأُمَمَ تَخَابَثَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأَخْرَجَتْ كُلُّ أُمَّةٍ خَبِيثَهَا ثُمَّ أَخْرَجْنَا الحَجَّاجَ لَغَلْبَنَاهُمْ. رَوَاهُ أَبُو نَعِيمٍ فِي الحِلْيَةِ.
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ النَّدِيَّةِ شَرْحُ الدُّرَّةِ البَهِيَّةِ: وَقَدْ أُحْصِيَ الذِينَ قَتَلَهم الحَجَّاجُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَبَلَغُوا مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا 120000.
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاح قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي قَائِمًا بِالقِسْطِ حَتَّى يَكُونَ أَوَّلُ مَنْ يَثْلِمُهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّة يُقَالُ لَهُ: يَزِيدُ». رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَالبَزَّارُ.
وَعَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وُلِدَ لأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم غُلامٌ فَسَمَّوْهُ الوَلِيدُ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «سَمَّيْتُموهُ بِأَسْمَاءِ فَرَاعِنَتِكُم، ليَكُونُنَّ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الوَلِيدُ لَهُوَ أَشَرَّ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ». رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ. قَالَ الهَيْثَمِيّ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخر: رِجَاله ثِقَاتٌ.
خَفِ اللهِ فِي ظُلْمِ الوَرَى وَاحْذَرَنَّهُ ** وَخَفْ يَوْمَ غَضَّ الظَّالِمِينَ عَلَى الْيَدِ

وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ عَنْ ذَاكَ غَافِلاً ** وَلَكِنَّهُ يُمْلَي لِمَنْ شَا إِلَى الغَدِ

فَلا تَغْتَرِرْ بِالحِلْمِ عَنْ ظُلْمِ ظَالِمٍ ** سَيَأخُذُهُ أَخْذًا وَبِيلاً وَعَنْ يَد

اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَنَا رَغَدًا، ولا تُشْمِتْ بِنَا أَحَدَا. اللَّهُمَّ رَغَبْنَا فِيمَا يَبْقَى، وزهدنا فيما يَفَنى، وهب لنا اليقين الذي لا تسكن النفوس إلا إليه، ولا يُعَوَّلُ في الدين إلا عليه. اللَّهُمَّ إنا نسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفينا ما أهمنا وما لا نهتم به وأن تعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. اللَّهُمَّ يا عليم يا حليم يا قوي يا عزيز يا ذا المن والعطا والعز والكبرياء يا مَنْ تَعْنُوا له الوجُوه وتخشع له الأصوات وفقنا لصالح الأعمال واكفنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك إنك على كل شيء قدير. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
موعظة:
عِبَادَ اللهِ إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَقْدُرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَلَمْ يَعْرِفُوهُ المَعْرِفَةُ التِي لا تَلِيقُ بِجَلاله وَعَظَمَتِهِ، وَلَوْ عَرَفُوهُ هَذِهِ المَعْرِفَةَ وَقَدَّرُوهُ مَا صَدَّقَ العَقْلُ أَنْ يَكُونُوا بِهَذِهِ الحَالِ، إِنَّ العَارِفَ بِاللهِ تَعَالَى يَخْشَاهُ، فَتَعْقِلُهُ هَذِهَ الخَشْيَةُ عَمَّا لا يَنْبَغِي مِنَ الأَفْعَالِ كَيْفَ لا وَهَذَا القُرَآنُ يَقُولُ اللهُ فِيهِ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} العَارِفُ بِاللهِ تَعَالَى لا يَجْرُؤُ أَنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ بِكَلِمَةٍ مِنَ المُنْكَرَاتِ لأَنَّهُ يُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَسْمَعُ السِّرَّ واَلنَّجْوَى، وَلا يَجْرُؤ أَنْ يَسْتَعْمِلَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ فِي عَمَلٍ لَيْسَ بِحَلالٍ، لأَنَّهُ يُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَرَاهُ مَهْمَا اخْتَفَى وَاجْتَهَدَ فِي الاخْتِفَاءِ وَكَذَلِكَ لا يُقْدِمُ وَيَعْزِمْ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنَ المُحَرَّمَاتِ لأَنَّهُ يُؤْمِنُ بِوَعِيدِ اللهِ عَلَى مَنِ اجْتَرَأَ وَانْتَهَكَ المَحْظُورَاتِ، العَارِفُ بِاللهِ حَقّ المَعْرِفَةَ لا يَنْطَوِي عَلَى رَذِيلَةٍ كَالكِبْرِ وَالعُجْبِ وَالحِقْدِ وَالنِّفَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الرَّذَائِلِ المَمْقُوتَاتِ لأَنَّهُ لا يُؤْمِنُ أَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ لا يَخْفَى عَلَى مَنْ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ، فَلا يَسْتَرِيحُ حَتَّى يَكُونَ بَاطِنُهُ كَظَاهِرِهِ مُطَهَّرًا عَنِ الفَوَاحِشِ، وَكَذَلِكَ لا يَتَعَامَلُ بِالرِّبَا وَيَبْتَعِدُ كُلَّ البُعْدِ عَنِ الرِّيَاءِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ المُحَرَّمَاتِ، وَكَذَلِكَ لا تَسْمَعُ مِنْ فَمِهِ عِنْدَ نُزُولِ البَلا إِلا الحَسَنَ الجَمِيلَ فَلا يَغْضَبُ لِمَوْتِ عَزِيزٍ أَوْ فَقْدِ مَالٍ، أَوْ مَرَضٍ شَدِيدٍ لأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ غَضَبَهُ يَتَوَجَّهُ إِلَى الحَكِيمِ العَلِيمِ اللَّطِيفِ الخَبِيرِ، وَلا يَصْدُرُ مِنَ العَارِفِ بِاللهِ حَسَدٌ لِخَلْقِ اللهِ عَلَى مَا أَوْلاهُمْ مِنْ نِعْمَةٍ لأنَّهُ يُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ قَسَّمَ النِّعَمَ بَيْنَ عِبَادِهِ وَلَيْسَ لِقِسْمَتِهِ رَادُّ، وَكَذَلِكَ العَارِفُ لا يَيْأَسْ مِنْ زَوَالِ شِدَّةٍ مَهْمَا تَعَقَّدَتْ وَاسْتَحْكَمَتْ، وَلا يَيْأَسُ مِنْ حُصُولِ خَيْرٍ مَهْمَا سَمَا وَابْتَعَدَ، لأنَّهُ يُؤْمِنُ أَنَّ الأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللهِ الذِي إِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ: كُنْ فَكَانَ، العَارِفُ بِاللهِ لا يُقَنِّطَ المُؤْمِنُ العَاصِي مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَلا يُؤَمِّنُ المُحْسِنَ، لَكِنَّهُ يَرْجُو لِلْمُحْسِنِ وَيَخَافُ عَلَى المُسِيءِ، العَارِفُ بِاللهِ لا يَغُشُّ مُؤْمِنًا، وَلا يُسِيءُ إِلَى الجَارِ العَارِفُ بِالله يُمُيِّزُ بَيْنَ الأَصْدِقَاءِ المُخْلِصِينَ مِنَ المُبَهْرِجِينَ المُزَيَّفِينَ لكثرة تَفرُسه فيهم قال بَعْضُهُمْ:
أَلْمْ تَعْلَمْ بِأَنِّي صَيْرَفِيٌّ ** أَحُكُ الأَصِدْقَاءَ عَلَى مَحَكِّ

فَمِنْهُمْ بَهْرَجُ لا خَيْرَ فِيهِ ** وَمِنْهُمْ مَنْ أُجَوِّزُهُ بِشَكّ

وَمِنْهُم خَالِصُ الذَّهَبِ المُصَفَّى ** بِتَزْكِيَتِي وَمِثْلِي مَنْ يُزَكِي

اللَّهُمَّ أعِذْنَا بِمَعافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِرَضَاكَ مِنْ سَخْطِكَ واحْفَظ جَوارِحَنَا مِنْ مُخَالَفَة أمْرك، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: حَجَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةَ الوَدَاعَ، ثُمَّ أَخَذَ بِحَلَقَةِ بَابِ الكَعْبَةِ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟» فَقَامَ إليه سَلْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَخْبِرْنَا فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ إِضَاعَةُ الصَّلاةِ، وَالمَيْلُ مَعَ الهَوَى، وَتَعْظِيمُ رَبِّ المَالِ»، فَقَالَ سَلْمَانُ: وَيَكُونَ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ تَكُونُ الزَّكَاةُ مَغْرَمًا، وَالفَيْءُ مَغْنَمًا، وَيُصَدَّقُ الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ الخَائِنُ، وَيَخُونُ الأَمِينُ، وَيَتَكَلَّمُ الرُّوَيْبِضَةُ»، قَالُوا: وَمَا الرَّويبِضَةُ؟ قَالَ: «يَتَكَلَّمُ فِي النَّاسِ مَنْ لَمْ يَتَكَلَّمَ، وَيُنْكِرُ الْحَقَّ تِسْعَةً أَعْشَارِهِمْ، وَيَذْهَبُ الإِسْلامُ فَلا يَبْقَى إِلا اسْمُهُ، وَيَذْهَبُ الْقُرْآنُ فَلا يَبْقَى إلا رَسْمُهْ، وَتُحَلَّى الْمَصَاحِفُ بِالذَّهَبِ، وَتَتَسَمَّنُ ذُكُورُ أُمَّتِي، وَتُكُونُ الْمشُورَةُ لِلإِمَاءِ، وَيَخْطُبُ عَلَى الْمَنَابِر الصِّبْيَانُ، وَتَكُونُ الْمُخَاطَبَةُ لِلنِّسَاءِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تُزَخْرَفُ الْمَسَاجِدُ كَمَا تُزَخْرَفُ الْكَنَائِسُ وَالْبِيعُ، وَتُطَوَّرُ الْمَنابِرُ، وَتَكْثُرُ الصُّفُوفُ مَعَ قُلُوبٍ مُتَبَاغِضَةٍ، وَأَلْسُنٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَهْوَاءٍ جَمَّةٍ».
قَالَ سَلْمَانُ: وَيَكُونُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ عِنْدَ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ يَكُونُ الْمُؤْمِنُ أَذَلَّ مِنْ الأمَةِ، يَذُوبُ قَلْبُهُ فِي جَوْفِهِ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ مِمَّا يَرَى مِنْ الْمُنْكَرِ فَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ، وَيَكْتَفِي الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَيُغَارُ عَلَى الْغُلْمَانِ كَمَا يُغَارُ عَلَى الْجَارِيَةِ الْبِكْرِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ يَكُونُ أَمَرَاءُ فَسَقَةٌ، وَوُزَرَاءُ فَجَرَةٌ، وَأُمَنَاءُ خَوَنَةٌ يُضِيعُونَ الصَّلاةَ، وَيَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُمْ فَصَلُّوا صَلاتِكُمْ لِوَقْتِهَا عِنْدَ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ يَجِيءُ سَبْيٌ مِنْ الْمَشْرِقِ، وَسَبْيٌ مِنْ الْمَغْرِبِ جُثُاؤُهُمْ جُثَاءَ النَّاسِ، وَقُلُوبهُم قُلُوبُ الشَّيَاطِينَ، لا يَرْحَمُونَ صَغِيرًا وَلا يُوَقِّرُونَ كَبِيرًا، عِنْدَ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ يَحُجُّ النَّاسُ إِلى هَذَا الْبَيْتِ الْحَرَامِ، تَحُجُّ مُلُوكُهُمْ لَهْوًا وَتَنَزُّهًا، وَأَغْنِيَاؤُهُمْ لِلتِّجَارَةِ، وَمَسَاكِينُهم لِلْمَسْأَلَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ رِيَاءً وَسُمْعَةً». قَالَ: وَيَكُونُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، عِنْدَ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ يَفْشُو الْكَذِبُ، وَيَظْهَرُ الْكَوْكَبُ لَهُ الذَّنْبُ، وَتُشَارِكُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي التِّجَارَةِ، وَتَتَقَارَبُ الأَسْوَاقُ». قَالَ: وَمَا تَقَارُبُهَا؟ قَالَ: «كَسَادُهَا، وَقِلَّةُ أَرْبَاحِهَا، عِنْدَ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا فِيهَا حَيَّاتٌ صُفْرٌ فَتَلْتَقِطُ رُؤَسَاءَ الْعُلَمَاءِ لَمَّا رَؤا الْمُنْكَرِ فَلَمْ يُغَيُّرُوهُ».
قَالَ: وَيَكُونُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَالذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ». رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ.
وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلَّ عَشِيَّةِ خَمِيسِ: سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تُمَاتُ فِيهِ الصَّلاةُ، وَيُشْرَفُ فِيهِ الْبُنْيَانُ، وَيَكْثُرُ فِيهِ الْحَلَفُ وَالتَّلاعُنُ، وَيَفْشُوا فِيهِ الرُّشَا وَالزِّنَا، وَتُبَاعُ الآخِرَةُ بِالدُّنْيَا، فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَالنَّجَا النَّجَا. قِيلَ: وَكَيْفَ النَّجَا؟ قَالَ: كُنْ حِلْسًا مِنْ أَحْلاسِ بَيْتِكَ، وَكُفَّ لِسَانَكَ وَيَدَكَ. رَوَاهُ ابنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ سُوءُ الْجِوَارِ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَأَنْ يُعَطَّلَ السَّيْفُ مِنْ الْجِهَادِ، وَأَنْ تُخْتَلَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ». رَوَاهُ ابنُ مَردَوَيْهِ وَالدَّيْلَمِيِّ.
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ الصَّلاةُ فيهِ طَويلَةٌ، والْخُطْبَةُ فِيهِ قَصِيرَةُ، وَعُلمَاؤُه كَثيرٌ، وَخُطَبَاؤُه قَليلٌ، وَسَيَأتِي عَلَى النَّاسِ زَمانٌ الصَّلاةُ فيهِ قصيرةٌ والْخُطبةُ فيهِ طويلةٌ، خُطَبَاؤُهُ كَثِيرٌ، وَعُلَمَاؤُهُ قَلِيلٌ، يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ، صَلاةُ الْعَشِيّ إِلى شَرْقِ الْمَوْتَى، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّ الصَّلاةُ لِوَقْتِهَا وَلِيَجْعَلْهَا مَعَهُمْ تَطَوُّعًا. رَوَاهُ الطَّبَرَانِي قَالَ الْهَيْثَمِيّ: وَرِجَاله رِجَالُ الصَّحِيحِ. وَرَوَى الإِمَامُ مَالِكْ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يَحْيَى بن سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالِ لإِنْسانٍ: إِنَّكَ فِي زَمَانٍ كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ قَلِيلٌ قَُرَّاؤُهُ، تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ، وَتُضَيَّعُ حُرُوفُهُ، قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ، كَثِيرٌ مَنْ يُعْطَى، يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلاةُ، وَيُقَصِّرُونَ الْخُطْبَةَ، يُبْدُونَ أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ.
وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ، كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ، تُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ، وَتَضْيَّعُ حُدُودُه كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ قَلِيلٌ مَنْ يُعْطَى يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ، وَيُقْصِّرُونَ الصَّلاةَ، يُبْدُونَ فِيهِ أَهْوَاءهُم، قَبْلَ أَعْمَالِهِم.
قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ أُمُورٌ وَقَعَتْ فِي زَمَنِِنَا، مِنْهَا قِلَّةُ الْفُقَهَاءِ بِمَعْنَى الْكَلِمَةِ، أَمَّا الْمُتَسمُونَ فَمَوْجُودُونَ بدُونِ مَعْنَى، وَمِنْهَا مَا وُجِدَ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُجِيدِينَ لِلْقرَاءَةِ، الْمُضِيِّعِينَ لِلْعَمَلِ، تَسْمَعُهُ مِنْهُمْ غَضًّا طَرِيًّا بِتَجْوِيدٍ وَفَصَاحَةٍ، وَمِنْهَا إِطَالَةُ الْخُطْبَةِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ زَمَنِنَا وَتَقْصِيرِ الصَّلاةِ، وَهَذا خِلافُ السُّنَّةِ، وَمِنْهَا كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ، وَقِلَّةُ إِعْطَائِهِمْ، فَهَؤُلاءِ طَرِيقَتُهُمْ ضِدُّ طَرِيقَةِ السَّلَفِ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الانْتِكَاسِ، وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا حَمَلَةَ الْعِلْمِ اعْمَلُوا بِهِ، فَإِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ، وَوَافَقَ عِلْمَه عَمَلُه، وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ الْعِلْمَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهمْ، يُخَالِفُ عَمَلُهُمْ عِلْمَهُم، وَتُخَالِفُ سَرِيرَتُهم عَلانِيَّتَهُمْ يَجْلِسُونَ حِلَقًا فَيُبَاهِي بَعْضُهُم بَعْضًا، حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ لِيَغْضَب عَلَى جَلِيسِه أَنْ يَجْلِسَ إِلى غَيْرِهِ وَيَدَعَهُ أُولَئِكَ لا تَصْعَدُ أَعْمَالَهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ تِلْكَ إِلى اللهِ. رَوَاهُ الدَّارِمِي.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَهَذَا الأَثَرُ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ لأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ غَيْبِيّ فَلا يُقَالُ إِلا عَنْ تَوْقِيفٍ.
وَعَنْ أبِي الزَّاهِرِيَّةِ- وَاسْمُهُ حُدَيْرُ بنُ كُرَيْبٍ- يَرْفَعُ الْحَدِيثَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالى قَالَ: أَبُثُّ الْعِلْمَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، حَتَّى يَعْلَمَهُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ بِهِمْ، أَخَذْتُهُم بِحَقي عَلَيْهِمْ». رَوَاهُ الدَّارِمِيّ وَأَبُو نَعِيمٍ فِي الْحِلْيَةِ قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَة وَقَعَتْ طِبْقَ مَا ذكر.
وَعَنْ عَمْرو بن تَغْلِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَكْثُرَ التُّجَّارُ، وَيَظْهَرَ الْقَلَمُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَدِهِ.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَرْءَ يُودِي شَبَابُهُ ** وَأَنَّ الْمَنَايَا لِلرِّجَالِ تُشَعِّبُ

فَمِنْ ذَائِقٍ كَأْسًا مِن الْمَوْتِ مُرَّةً ** وَآخَرُ أُخْرَى مِثْلَهَا يَتَرَقَّبُ

لَهَا مِنْهُمُ زَادٌ حَثِيثٌ وَسَائِقٌ ** وَكُلٌّ بِكَأْسِ الْمَوْتِ يَوْمًا سَيَشْرَبُ

وَمَا وَارِثٌ إِلا سَيُورَثُ مَاله ** وَلا سَالِبٌ إِلا قَرِيبًا سَيُسْلَبُ

وَلا آلِفٌ إِلا سَيَتْبَعُ إِلْفَهُ ** وَلا نِعْمَةٌ إِلا تَبِيدُو وَتَذْهَبُ

وَمَا مِنْ مُعَانٍ فِي الْمَصَائِب جَمَّةٌ ** يُعَاوِرُهَا الْعَصْرَانِ إِلا سَيَعْطَبُ

أَرَى النَّاسَ أَصْنَافًا أَقَامُوا بِغُرْبَةٍ ** تُقَلِبُهُمْ أَيَامُهَا وَتَقَلَّبُ

بَدَارِ غُرُورٍ حُلْوَةٍ يَعْمُرونَهَا ** وَقَدْ عَايَنُوا فِيهَا زَوَالاً وَجَرَّبُوا

يَذُمُونَ دُنْيًا لا يَرِيحُونَ دَرَّهَا ** فَلَمْ أَرَ كَالدُّنْيَا تُذَمُ وَتُحْلَبُ

تَسُرهُمُ طَوْرًا وَطَورًا تُذِيقُهُمْ ** مَضِيضَ مَكَا وَحَرَّهَا يَتَلَهَّبُ

اللَّهُمَّ اعْتِقْنَا مِنْ رِِقِّ الذُّنُوبْ وَخَلِّصْنَا مِنْ شَرِّ النُّفُوس، وَأَذْهِبْ عَنَّا وَحْشَةَ الإِسَاءَةْ، وَطَهِّرْنَا مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ، وَبَاعِدْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْخَطَايَا وَأَجِرْنَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم.
اللَّهُمَّ رَضِّنَا بِقَضَائِكَ وَأَعِنَّا عَلَى الدُّنْيَا بِالْعِفَّةِ وَالزُّهْدِ وَالْقَنَاعَةِ وَعَلَى الدِّينِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَطَهِّرْ أَلْسِنَتَنَا مِنْ الْكِذْبِ وَقُلُوبَنَا مِنْ النِّفَاقِ وَأَعْمَالِنَا مِنْ الرِّيَاءِ وَاحْفَظْ أَبْصَارَنَا مِنْ الْخِيَانَةِ فَإِنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيَنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ أَنْفُسِنَا وَالشَّيْطَانِ وَالدُّنْيَا وَالْهَوَى وَنَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
مَوْعِظَةٌ:
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}، وَقَالَ: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} عِبَادَ اللهِ يَعِيشُ ابن آدَمَ مَا قَدّرَ اللهُ لَهُ أَنْ يَعِيشَ وَيَمْشِي الإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الأَرْضِ وَيَتَقَلَّبُ فِيهَا وَيَرَى حُلْوَهَا وَمُرَّهَا وَسُرُورَهَا وَأَحْزَانِهَا، وَيَأْخُذُ فِيهَا حَظَّهُ مِنْ الشَّقَاءِ وَحَظَّهُ مِنْ السَّعَادَةِ، بِمِقْدَارِ مَا قَدَّرَهُ اللهُ لَهُ وَمَا قَدَّرَهُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لِكُلِّ هَذَا نِهَايَةٌ وَلِكُلِّ ذَلِكَ غَايَةٌ قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} فَسِبِيلُ الْمَوْتِ غَايَةُ كُلِّ حَيّ، وَالْخُلُودُ فِي دَارِ الْفَنَاءِ غَيْرُ مَعْقُولٍ، أَيُّهَا الْمُسْلِمُ عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ.
قال بعضهم في ابن له مَات:
وَهَوَّنَ مَا أَلْقَى مِنَ الْوَجْدَّ أَنَّنِي ** أُجَاوِرُهُ فِي دَارِهِ اليوم أَوْ غَدِ

لَعَمرْكُ مَا الدُّنْيَا بِدَارِ إِقَامَةِ ** إِذَا زَال عَنْ عَيْنِ الْبَصِيرِ غِطَاؤُهَا

آخر:
كَمْ رَأَيْنَا مِنْ أُنُاسٍ هَلَكُوا ** وَبَكَى أَحْبَابُهُمْ ثُمَّ بُكُوا

تَرَكُوا الدُّنْيَا لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ ** وَدُّهُمْ لَوْ قَدَّمُوا مَا تَرَكُوا

كَمْ رَأَيْنَا مِنْ مُلُوكٍ سُوَقَةْ ** وَرَأَيْنَا سُوَقَةً قَدْ مَلَكُوا

آخر:
وَكُلُّ أُمٍّ وَإِنْ سُرَّتْ بِمَا وَلَدَتْ ** يَوْمًا سَتُشْكَلُ مَا رَبَّتْ مِنَ الْوَلَدِ

آخر:
وَكَيْفَ بَقَاءَ النَّاسِ فِيهَا وَإِنَّمَا ** يُنَالَ بِأَسْبَابِ الْفَنَاءِ بَقَاؤُهَا

آخر:
حَسْبُ الْخَلِيلَيْنِ نَأَيُ الأَرْضِ بَيْنَهُمَا ** هَذَا عَلَيْهَا وَهَذَا تَحْتَهَا بَالِي

سَلام عَلَى دَار الْغُرُورِ فَإِنَّهَا ** مُنَغَّصَةٌ لِذَاتُهَا بِالْفَجَائِعِ

فَإِنْ جَمَعَتْ بَيْنَ الْمُحِبينَ سَاعَةً ** فَعَمَّا قَلِيلٍ أَرْدَفَتْ بِالْمَوَانِعِ

آخر:
عَلَى مِثْلِ هَذَا كُلُّ جَمْعٍ مَاله ** وِصَالٌ وَتَفْرِيقٌ يَسُرُّ وَيُؤْلِمُ

وَإِنْ مُنَعَ الْغُيَّابُ أَنْ يَقْدَمُوا لَنَا ** فَإِنَّا عَلَى غُيَّابِنَا سَوْفَ نَقْدَمُ

فَالْبَقَاءُ فِي الدُّنْيَا مُحَالٌ، هَذِهِ الدُّنْيَا جَسْرٌ، هَذِهِ الدُّنْيَا مَمَرٌ وَمَعْبَرٌ وَطَرِيقٌ إِلى الآخِرَةِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَخَبَّطُ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَ وَيَتَعَثرُ فِيهَا وَلا يَهْتَدِي، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُوَفِّقُهُ اللهُ فَيَسْلُكُهَا مُسْتَقِيمًا لا يَلْوي عَلَى شَيْءٍ إِلا عَلَى زَادِ الآخِرَةِ، وَأَمَلٍ يَهْدِفُ إليه، فِي تِلْكَ الدَّارِ الْبَاقِيَةِ، ذَلِكَ الْهَدَفُ هُوَ رِضَى رَبِّ الْعِزَّةِ وَالْجَلالِ، الذِي فِيهِ كُلُّ نَعِيمٍ الذِي فِيهِ الْهُدُوءِ وَالاطْمَئُنَانُ وَالذِي فِيهِ الْفَوْزَ وَالنَّجَاةُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، تِلْكَ حَال مَنْ اتَّعَظَ وَاعْتَبَرَ فَنَفَعْتُه الْعِبْرَةُ وَلَمِسَ الْمَوعِظَةُ مِنْ دُرُوسٍ الْحَيَاةِ وَأَحْدَاثها فَاهْتَدَى، وَزَادَهُ اللهُ هُدى، تِلْكَ حَالٌ مَنْ اعْتَبَرُوا فنَفَعْتُهُم الْعِبْرَة، وَجَعَلُوا التَّقْوَى إِلى اللهِ أَمَامَهُمْ لا يَحِيدُونَ عَنْهَا، يَخَافُون رَبَّهُمْ وَيَخْشَوْنَ سُوء الْحِسَابِ: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ لَقَدْ خَرَجْت مِنْ ظُلمَاتٍ، وَسَتَنْتَهِي إِلى ظُلُمَاتٍ خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمَاتِ الأَرْحَامِ، وَتَنْتَظِرُكَ ظُلُمَاتُ الْقُبُورِ، خَرَجَتْ مِنْ أَحْشَاءِ أُمِّكَ، وَاسْتَقْبَلَكَ أَحْشَاءٌ أُخْرَى أَقْوَى وَأَعْظَمُ، قَالَ تَعَالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} دَفَعكَ جَوْفٌ يَحِنُّ عَلَيْكَ إِلى جَوْفِ الأَرْضِ، وَبَيْنَ الْجَوْفَيْنِ أُمُورٌ وَأُمُورٌ فَفِي الدُّنْيَا السَّرَّاءُ وَالضَّرَّاءُ وَالسَّعَادَةُ وَالشَّقَاءُ إِنَّكَ تَخْرُجُ مِنْ شِدَّةٍ إِلى رَخَاءٍ، وَمِنْ رَخَاءٍ إِلى بَلاءٍ، وَتُصَادِفُكَ عَقَبَاتٌ فِي طَرِيقِكَ بَعْدَ عَقَبَاتٍ، وَتَتَغَيَّرُ أَحْوَالُكَ مِنْ حَالاتٍ إِلى حَالاتٍ، فَمِنْ ذُلٍّ إِلى عِزٍّ، وَمِنْ عِزٍّ إِلى ذُلٍّ، وَمِنْ غِنًى إِلَى فَقْرٍ، وَمِنْ فَقْرٍ إِلى يُسْرٍ، وَمِنْ صِحَّةٍ إِلى مَرَضٍ، وَمِنْ مَرَضٍ إِلى عَافِيَةٍ، وَمِنْ رَاحَةً إِلى تَعَبٍ. هَذِهِ هِيَ الدُّنْيَا وَهَذِهِ هِيَ أَحْوَالُهَا عِزُّهَا لا يَدُومُ، وَرَخَاؤُهَا لا يَبْقَى، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فَحَاسِبْ نَفْسَكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبَ، وَزِنْ أَعْمَالَكَ قَبْلَ أَنْ تُوزَنَ عَلَيْكَ، وَرَاقِبْ مَوْلاكَ الذِي لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ، وَتُبْ إليه تَوْبَةٍ نَصُوحًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}.
تَوَرَّعْ وَتُبْ وَازْهَدْ وَصَلِّ وَصُمْ وَلا ** تَوَرَّعْ وَتُبْ وَازْهَدْ وَصَلِّ وَصُمْ وَلا

وَكُنْ دَائِمًا فِي الذِّكْرِ وَالشُّكْرِ قَائِمًا ** عَلَى الصِّدْقِ وَالإِخْلاصِ فِي كُلِّ مَوْطِن

آخر:
يَلَذُ بِهَذَا الْعَيْش مَنْ لَيْسَ يَعْقِلُ ** وَيَزْهَدُ فِيهِ الأَلْمَعِيُّ الْمُحَصِّلُ

وَمَا عَجَبٌ نَفْسٌ تَرَى الرَّأْي إِنَّمَا الْ ** عَجِيبَةُ نَفسٌ مُقْتَضَى الرَّأْيِ تَفْعَلُ

إِلى اللهِ أَشْكُو هِمَّةً دُنْيَويَةً ** إِلى اللهِ أَشْكُو هِمَّةً دُنْيَويَةً

آخر:
وَالْمَرْءُ مِثْلُ هِلالٍ حِينَ تُبْصِرُهُ ** يَبْدُو ضَعِيفًا ضَئِيلاً ثُمَّ يتَّسقُ

يَزْدَادُ حَتَّى إِذَا مَا لَمْ تَمَّ أَعْقَبهُ ** كَرُّ الْجَدِيدَيْنِ نَقْصًا ثُمَّ يَنْمَحِقُ

يُنْهْنِهَا مَوْتُ النَّبِيهِ فَتَرْعَوي ** وَيَخْدَعُهَا رُوحُ الحَيَاةِ فَتَغْفُلُ

وَفِي كُلِّ جُزْءٍ يَنْقَضِي مِنْ زَمَانِهَا ** مِنَ الجِسْمِ جُزْء مِثْلَهُ يَتَمَلمَلُ

أَمَامَكَ أَيُّهَا المَغْرُورُ يَوْمٌ ** تَشِيبُ لِهَوْلِهِ سُودُ النَّوَاصِي

وَأَنْتَ كَمَا عَهِدْتُكَ لا تُبَالِي ** بِغَيْرِ مَظَاهِرِ العَبِثِ الرَّخَاصِ

آخر:
عِشْ مَا بَدَا لَكَ هَلْ تَرَاكَ تَعِيشُ ** أَتَظُنُّ سَهْمَ الحَادِثَاتِ يَطِيشُ

عِشْ كَيْفَ شِئْتَ لَتَأيْنَّكْ وَقْعَةٌ ** يَوْمًا وَلا لِجَنَاحِِ جِسْمِكَ رِيشُ

آخر:
إِذَا الشِّيبُ لاحَتْ لَمْحَةٌ مِنْ ثَغَامِهِ ** فَعَصْرُ الصِّبَا لَمْ يَبْقَ غَيْرُ رِسَامِهِ

أَلا كُلُّ إِنْسَانٍ وَإِنْ طَالَ عُمْرُهُ ** إِلَى الحَتَفِ مَأْخُوذٌ بِفَضْلِ زَمَامِهِ

أَلا كُلُّ حَيٍّ لِلْحَمَامِ طَرِيدَةٌ ** وَكُلُّ فَقِيدٍ مِنْ رَمَايَا سِهَامِهِ

تَمُرُّ اللَّيَالِي بُؤْسُهَا وَنَعِيمُهَا ** كَطَيْفٍ يَرَاهُ حَالِمٌ فِي مَنَامِه

اللَّهُمَّ يَا مَنْ فَتَحَ بَابَهُ لِلْطَالِبينَ، وَأَظْهَرَ غِنَاهُ لِلَّرَاغِبِينَ نَسْأَلُكَ أَنْ تَسْلُكَ بِنَا سَبِيلَ عِبَادِكَ الصَّادِقِينَ، وَأَنْ تَلْحِقَنَا بِعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ أَحْي قُلوبًا أَمَاتَهَا البُعْدُ عَنْ بَابِكَ، وَلا تُعَذِّبْهَا بِأليمِ عِقَابِكَ، يَا كَرِيمُ يَا مَنَّانُ، يَا مَنْ جَادَ عَلَى عِبَادِهِ بِالأنْعَامِ وَالأَفْضَالِ، اللَّهُمَّ أَيْقِظْنَا مِنْ غَفْلَتِنَا بِلُطْفِكَ وَإِحْسَانِكَ وَتَجَاوَزْ عَنْ جَرَائِمنا بِعَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ، وَارْزُقْنَا مَا رَزَقَتْ أَوْلِيَاءَكَ مِنْ نَعِيمِ قُرْبِكَ وَلَذَّةِ مُنَاجَاتِكَ وَصِدْقِ حُبِّكَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْرُجُ في آخرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدَّنْيَا بِالدِّين يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السُّكَر، وَقُلُوبِهم قلُوبُ الذِّئَابَ، يَقُولُ اللهُ: أَبِي تَغْتَرُّوَن أَمْ عَلَيَّ تَجْتَرِئُونَ، فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الحَلِيم مِنْهُمْ حَيْرَانَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالِي المَرْءُ بِمَا أَخَذَ المَالَ، أَمِنْ حَلالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالبُخَارِيّ، وَالدَّارِمِيّ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ لَتَكُونَنَّ بَعْدِي فَتْرَةٌ فِي أُمَّتِي يُبْتَغَى فِيهَا المَالُ مِنْ غَيْرِ حِلّهِ، وَتُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ وَيُسْتَبْدَلُ فِيهَا الشِّعْرُ بِالقُرْآنِ». رَوَاهُ الدَّيْلَمِي.
وَعَنْ الحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلا أَكَلَ الرِّبَا، فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنّسَائِي، وَابْنُ مَاجَة.
وَعَنْ مُعَاذِ بن أنَس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا تَزَالُ الأُمَّةُ عَلَى الشَّرِيعَةِ مَا لَمْ تَظْهَرَ فِيهِم ثَلاثٌ: مَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْهُمْ العِلْمَ، وَيَكْثُرَ فِيهِمْ وَلَدُ الحَنْثِ، وَيَظْهَرُ فِيهم الصَّقَّارُونَ»، قَالُوا: وَمَا الصَّقَّارُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَشْءٌ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، تَكُونُ تَحِيَّتُهم بَيْنَهُم التَّلاعُنُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِي.
وَعَنْ مُعَاذٍ بِنْ جَبَلَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ إِخْوَانُ العَلانِيَةِ، أَعْدَاءُ السَّرِيرَةِ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ بِرَغْبَةِ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَرَهْبَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ». رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِي، وَأَبُو نُعَيمُ فِي الحِلْيَةِ.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فِرْقَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يَقْتُلَهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالحَقِّ». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَعَنْ طَارِقِ بِنْ زِيَادٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى الخَوَارِجِ فَقَتَلَهُم ثُمَّ قَالَ: انْظُرُوا فَإِنَّ نَبِيّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ سَيَخْرُجُ قَوْمٌ يَتَكَلَّمُونَ بِالحَقِّ لا يُجَاوِزُ حُلوقَهم يَخْرُجُون مِنَ الحَقِّ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، سِيمَاهُمْ إِنَّ مِنْهُم رَجُلاً أَسْوَدَ مُخَدَّجَ الْيَدِ، فِي يَدِهِ شَعْرَاتٌ سُودٌ، إِنْ كَانَ هُوَ فَقَدْ قَتَلْتُمْ شَرَّ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَقَدْ قَتَلْتُمْ خَيْرَ النَّاسِ» فَبَكَيْنَا. ثُمَّ قَالَ: اطْلُبُوا، فَطَلَبْنَا فَوَجَدْنَا المُخَدَّجَ، فَخَرَرْنَا سُجُودًا، وَخَرَّ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَنَا سَاجِدًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيّ.
وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ فَرِغَ مِنَ الحَرُورِيَّةِ: إِنَّ فِيهِمْ رَجُلاً مُخَدَّجَ الْيَدِ، لَيْسَ عَلَى عَضُدِهِ عَظْمٌ، فِي عَضُدِهِ حَلَمَةٌ كَحَلَمَةِ الثَّدْيِ، عَلَيَْها شَعَرَاتٌ طِوَالٌ عُقْفٌ، فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُوجَدْ، قَالَ: وَأَنَا فِيمَنْ يَلْتَمِسُ، فَمَا رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَزِعَ قَطٌّ أَشَدَّ مِنْ جَزَعِهِ يَوْمَئِذٍ، قاَلُوا: مَا نَجِدُهُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ. قَالَ: مَا اسْمُ هَذَا المَكَانَ؟ قَالُوا: النَّهْرَوَانِ. قَالَ: كَذَبْتُمْ إِنَّهُ لَفِيهمْ فَالْتَمِسُوهُ. قَالُوا: فَثَّوَّرْنَا القَتْلَى فَلَمْ نَجِدْهُ، فَعُدْنَا إليه، فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَا نَجِدُهُ، قَالَ: مَا اسْمُ هَذَا المَكَان؟ قُلْنَا: النَّهْرَوَان. قَالَ:
صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَكَذَبْتُمْ، إِنَّهُ لَفِيهمْ فَالْتَمِسُوهُ، فَالْتَمَسْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ فِي سَاقِيَةٍ، فَجِئْنَا بِهِ فَنَظْرَتُ إِلَى عَضُدِهِ لَيْسَ فِيهَا عَظمٌ، وَعَليْها كَحَلَمَةِِ ثَدْي المَرْأَةِ، عَلَيْهَا شَعَرَاتٌ طِوَالٌ عُقْفٌ. رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بن ِالإِمَامِ أَحْمَدُ في كِتَابِ السُّنَّةِ.
وَعَنْ أَنْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَاليوم وَيَكُونُ اليوم كَالسَّاعَةِ وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ»، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ». وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا يَزْدَادُ الأمْرُ إِلا شِدَّةً، وَلا الدُّنْيَا إِلا إِدْبَارًا، وَلا النَّاسُ إِلا شُحًا، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، وَلا المَهِْدي إِلا عِيسَى بنُ مَرْيَمَ». رَوَى الحَدِيثَيْنِ ابْنُ مَاجَة.
وَعَنْ سَالِمْ بنِ أَبِي الجَعْدِ عَنْ زِيَادِ بنِ لُبَيْدٍ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَالَ: «ذَاكَ عِنْدَ أَوَانِ ذَهَابِ العِلْمِ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَذْهَبُ العِلْمُ وَنَحْنُ نَقْرَأُ القُرْآنَ، وَنُقْرِؤُهُ أَبْنَاءَنَا، وَيُقْرِؤُهُ أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُم إِلَى يِوْمِ القَيِامَةِ؟ قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ، إِنْ كُنْتُ لأَرَاكَ مِنْ أَفْقَهِ رَجُلٍ بِالمَدِينَةِ، أَوَ لَيْسَ هَذِهِ اليهود وَالنَّصَارَى يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ لا يَعْمَلُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا؟». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَة.
وَعَنْ سَلامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَتَدَافَعَ أَهْلُ المَسْجِدِ فَلا يَجِدُونَ إِمَامًا يُصلى بِهِمْ». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. قُلْتُ: وَهَذَا الحَدِيثُ عَلَمٌ مِنْ أَعْلامِ النُّّّبُوَّةِ وَصِدْقِ الرِّسَالَةِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَكُونَ المُؤْمِنُ فِيهم أَذَلَّ مِنَ الأَمَةِ، يَذُوبُ قَلْبُهُ فِي جَوْفِهِ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي المَاءِ مِمَّا يَرَى مِنَ المُنْكَرِ فَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ. رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوِيه. وَاللهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فصل:
وَعَنْ جَابِرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَسْتَخْفِي المُؤْمِنُ فِيهِم كَمَا يَسْتَخْفِي المُنَافِقُ فِيكُم». رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّي. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَمُرَّ الرَّجُلِ بِالمَسْجِدِ فَلا يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَعَنْ حُذَيْفَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَأْتِي دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ»، وَوَصَفَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ: «مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ»، قَالَ: «اعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يَأتِيْكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ». رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسْلِمٌ.
إِنَّ الجَمَاعَةَ حَبْلُ اللهِ فَاعْتَصِمُوا ** بَهَا إِنَّهَا العُرْوَةُ الوُثْقَى دَانَا

اللهُ يَدْفَعُ بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةٌ ** عَنْ دِينَنَا رَحْمَةَ مِنْهُ وَرِضْوَانًا

لَوْلا المُهَيْمِنُ لَمْ تَأْمَنْ لَنَا سُبُلٌ ** وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْبًا لأَقوَانَا

وَعَنِ الضَّحَاكِ أَنَّهُ قَالَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكْثُرُ فِيهِ الأَحَادِيثُ حَتَّى يَبْقَى المُصْحَفُ عَلَيْهِ الغُبَارُ لا يَلْتَفَتُ إليه. قُلْتُ: وَهَذِهِ مُعْجِزَةٌ وَقَعَتْ فَإِنَّ المُصْحَفَ مَهْجُور، وَالإِقْبَالُ عَلَى المَلاهِي وَالمُنْكَراتِ وَالجَرَائِدِ وَالمَجَلات فَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ العَلِيّ العَظِيم وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيلِ.
فَصْلٌ:
وَعَنْ وَابِصَةَ الأَسَدِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَتَى تَكُونُ أَيَّامُ الهَرَجِ؟ قَالَ: حِينَ لا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ. قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: اكْفُفْ نَفْسَكَ وَيَدَكَ، وادْخُلْ دَارَكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَفِي المُسْنَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الإسلام سُفَهَاءُ الأَحْلامِ، حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ،- أَوء قَالَ- أَحْدَاثٌ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ النَّاسِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ بِأَلْسِنَتِهِمْ لا يَعْدُو تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَمَنْ أَدْرَكَهُمْ فَلْيَقْتُلْهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا عِنْدَ اللَّهِ». قُلْتُ: هَذَا الحَدِيثُ وَالذِي قَبْلَهُ فِيهِمَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلامِ النُّبُوَّةِ.
وَعَنْ حُذَيْفَةَ بنِ إليمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ الحَلِفُ بِغَيْرِ اللهِ، وَالشَّهَادَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَشْهَدَ، وَكَثْرَةُ الطَّلاقِ، وَمَوْتُ الفُجْأَةِ». أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيمٌ فِي الحِلْيَةِ، قُلْتُ: وَهَذَا الحَدِيثُ عَلَمٌ مِنْ أَعْلامِ النُّبُوَّةِ، وَصِدْقِ الرِّسَالَةِ، فَإِنَّ كُلَّ فَقْرَةٍ مِنْ فَقَرَاتِهِ قَدْ تَحَقَّقَتْ فِي العَصْرِ الحَاضِرِ، فَتَأَمَّلْهُ بِدِقَّةٍ.
فَإِنَّ الحَلِفَ بِغَيْرِ اللهِ قَدْ كَثُرَ جِدًا، وَكَذِلَكَ الشَّهَادَةُ يَبْذُلُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِدُونِ طَلَب، وَكَذَلِكَ كَثْرَةُ الطَّلاقُ وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِ هَؤُلاءِ، وَأَمَّا مَوْتُ الفَجْأَةُ فَكَثِيرٌ، فَمِنْهُ السَّكْتَةُ القَلْبِيَّةِ، وَالجَلْطَةُ الدَّمَوِيَّةُ، وَمَا يَنْشَأُ عَنْ انْقِلابِ السَّيَارَاتِ وَتَصَادُمِهَا، وَسُقُوطُ الطَّائِرَةِ وَالانْفَجَارَاتِ، فَكُلُّهَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا مَوْتُ الفُجْأَةِ. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ لا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، وَكُلُّ الأَحَادِيثَ التِي تَقَدَّمَتْ وَالتِي تَأْتِي تَأَمَّلْهَا وَطَبِّقْهَا، وَلا حَاجَةِ إِلَى شَرْحِهَا لأَنَّهُ شَيْءٌ وَاضِحٌ وَاقِعٌ، وَلَكِنَّ النَّاسَ فِي غَفْلَةٍ عَنْهَا مُعْرِضُوَن، وَمُنْهَمِكُونَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَجَمْعِهَا وَالتَّكَاثُرِ فِيهَا، وَالاشْتِغَالُ بِمَا يلهي ويصد عن ذكر الله فَتَأَمَّلْ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاِس زَمَانٌ لا يَسْلَمُ لِذِي دِينٍ دِينَهُ إِلا مَنْ هَرَبَ بِدِينِهِ مِنْ شَاهِقٍ إِلَى شَاهِقٍ، وَمِنْ جُحْرٍ إِلَى جُحْرٍ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تُنَلْ المَعِيشَةُ إِلا بِسَخَطِ اللهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ- كَانَ هَلاكُ الرَّجُلِ عَلَى يَدَيْ أَبَوَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ كَانَ هَلاكُهُ عَلَى يَدَيْ قَرَابَتِهِ أَوْ الجِيرَانِ»، قَالُوا: كَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «يُعَيِّرُونَهُ بِضِيقِ المَعِيشَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُورْدُ نَفْسَهُ المَوَارِدَ التِي يُهْلِكُ فِيهَا نَفْسَهُ». رَوَاهُ البَيْهَقِيّ كَمَا فِي كِتَابِ الزُّهْدَ [ج3، ص444] مِنْ كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ.
وَعَنْ حُذَيْفَةِ بنِ إليمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ بَيْعُ الحُكْمِ، وَكَثْرَةُ الشُّرَطِ». أَخْرَجُهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الحِلْيَةِ. قُلْتَ: هَذَا الحَدِيث وَالذِي قَبْلَهُ فِيهِمَا أَعْلامٌ مِنْ أَعْلامِ النُّبُوَةِ فَتَأَمَّلْ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ ظُهُورُ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَكِتْمَانِ الحَقّ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالبُخَارِيّ. قُلْتُ: هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلامِ النُّبُوَّةِ.
تَخَيَّرْ قَرِينًا مِنْ فِعَالِكَ إِنَّمَا ** يَزِينُ الفَتَى فِي القَبْرِ مَا كَانَ يَفْعَلُ

فَإِنْ كُنْتَ مَشْغُولاً بِشَيْءٍ فَلا تَكُنْ ** بِغَيْرِ الذِي يَرْضَى بِهِ اللهُ تَشْغَلُ

فَلا بُدَّ بَعْدَ القَبْرِ مِنْ أَنْ تُعِدَّهُ ** لِيَوْمٍ يُنَادِي المَرْءُ فِيهِ فَيُسْأَلُ

فَلَنْ يَصْحَبِ الإِنْسَانَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ** وَلا قَبْلَهُ إِلا الذِي كَانَ يَعْمَلُ

أَلا إِنَّمَا الإِنْسَانُ ضَيْفٌ لأَهْلِهِ ** يُقِيمُ قَلِيلاً عِنْدَهُمْ ثُمَّ يَرْحَلُ

آخر:
مَا دُمْتَ حَيًا فَطِعْ لله مُجْتَهِدًا ** فَإِنَّمَا أَنْتَ فِي دَارِ العِبَادَاتِ

وَأَكْثَرُ الذِّكْرَ لِلْمَوْلَى وَكُنْ حَذِرًا ** مَنْ غَفْلَةِ النَّفْسِ عَنْ ذِكْرِ المَنِيَّاتِ

فَالمَوْتُ يَأْتِي بِوَقْتٍ لَسْتَ تَعْلَمُهُ ** فَكُنْ لَهُ مُسْتَعِدًا قَبْلَ أَنْ يَأْتِي

كَمْ مِنْ صَحِيحٍ غَدَا مِنْ بَيْتِهِ سَحَرًا ** وَبِالمَسَاءِ غَدَا جَارًا لأَمْوَات

وَاللهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.